رجل العداله
عدد الرسائل : 671 العمر : 38 العمل/الترفيه : محامى / تحضير ماجستبر المزاج : كرة قدم ، القراءة تاريخ التسجيل : 17/09/2008
| موضوع: أحوال ديمقراطية هل إصلاح المنافسة يقضي علي الفساد؟ الأحد سبتمبر 28, 2008 10:45 am | |
| المشكلة الحقيقية التي تواجة استراتيجيات مكافحة الفساد تتلخص في ان معظم دول العالم الثالث، الا قليلا، قد نشأت هياكلها السياسية والحكومية قبل اقامة هياكلها الاقتصادية والسوقية، الامر الذي اوجد تاريخيا في الوعي الوطني العام افضلية عملية للمنطق السياسي، باعتباره ممارسة للقوة السياسية والاجتماعية التي تحتاجها البلاد للحصول علي الاستقلال علي المنطق الاقتصادي، باعتبارة ممارسة للتنافس الحر الممنهج وفق مبادئ الرشادة الاقتصادية في ادارة الاحوال الوطنية. ودعم سياق عالم الحرب الباردة هذه الافضلية فتم التعضيد المؤسسي للولاء السياسي القطعي والحصري باعتباره سابقا لمعايير الكفاءة الاقتصادية والالتزام بماليات عامة مضبوطة. بعبارة اخري، ان الفساد السياسي مسألة صاحبت، تاريخيا، نهضة وتحديث وتمدد الدولة في السيطرة علي اراضيها ومقدراتها. فأضحي الفساد السياسي وفق هذه الوضعية مسألة بنائية مرتبطة بالعملية التاريخية لتأسيس وتمكين قدرات الدولة، بل يمكن القول، ان هذا ايضا شوهد في التطور السياسي العام في اوربا وامريكا حتي ازمنة قريبة، حتي استطاعت النخب الاستراتيجية في هذة البلدان تحويله، اي الفساد ، من مسألة بنائية في الاساس الي مسألة اجرائية في الاصل. والفرق بين الفساد كظاهرة بنائية والفساد كظاهرة اجرائية يأتي في ان الفساد كعملية بنائية ممتدة تنبع من علو عقلانية القوة والقهر علي عقلانية الثروة الانتاجية، بينما في حالة الفساد كظاهرة انتاجية فنعني بها القدرة التنظيمية للعقلانية الانتاجية علي تصحيح المسار من خلال تخفيض او إلغاء الفاقد او المكرر او الزائد عن الحد داخل العملية الانتاجية من ناحية، وتحييد العوامل الخارجة عن العملية الانتاجية من اضفاء التأثير السلبي علي عملية الانتاج. من ناحية اخري ان التحدي الحقيقي للاصلاح المصري الذي بدأ في 2002 يكمن في قدرة النخبة الاستراتيجية علي تحويل الفساد من فساد بنائي مستغرق في ابنية القوة الساسية ، الي فساد اجرائي مرتبط بممارسات سلوكية اقتصادية، يصححها القانون واخلاق ممارسات الاعمال. فخلق النموذج المرغوب للابنية السياسية الخالية من ممارسات الفساد السياسي الشامل يأتي وفق تدرج متصاعد من اربع درجات بدءا من اسفل كالتالي : الدرجة الاولي، وهي الادني، وتتمثل في كتابة قوانين للممارسة السياسية تسمح بممكنات ليبرالية، والاهم ميكانزمات لاعادة تصحيح السلوك، هذا مع ملاحظة انه يجب ان يوضع السلوك دائما في اطار تفاعل بين القيم والقواعد الاجرائية. المشكلة ان مصر مازالت متأخرة في هذه المرحلة، رغم ما تم من انجازه من تشريعات وقوانين. فحتي الان مازالت التشريعات الاجتماعية هي الاسبق من التشريعات الاقتصادية ، والتي بدورها تعتبر الاسبق من التشريعات السياسية، وربما يرجع ذلك الي عدم حسم واجماع بين عناصر النخبة الاستراتيجية علي معني وحدود وتنظيم المتغيرات السياسية في التطور نحو الديمقراطية والاقتصاد الراسمالي. الدرجة الثانية، بدء خلق نماذج ارشادية للسلوك المرغوب ليقود في الواقع، وحتي الان ليس هناك هذه النماذج التي تسمح وتقوم بإعادة تشكيل الثقافة السياسية بشكل يفتح الباب واسعا للتقليد الجماهيري العام للسلوك المرغوب. فرغم ما نراه من انتشار نماذج المحاكاة لكافة ممارسات المؤسسات والهيئات المصرية في الجامعات وهيئات المجتمع المدني الا اننا لا نجد إلا محاولة وحيدة قامت بها جمعية تنمية الديمقراطية لخلق نموذج استرشادي للممارسة السياسية، الامر الذي يقول لنا ان محاكاة الواقع دون صناعة نموذج استرشادي لتصحيح وتغيير هذا الواقع هي ممارسة في اعادة تكرار الاخطاء والاصرار عليها ظنا ان في هذا تعلما، الدرجة الثالثة، خلق هياكل تنظيمية لتنظيم الجماهير في اطر تربط تفصيليا المصلحة الاقتصادية بالمصلحة السياسية، هذا الترابط يقوم علي ثلاثة مبادئ، اولها، لا مصلحة بدون احتياج اجتماعي، ثانيها، لا احتياج اجتماعيا بدون هيكل تنظيمي قانوني يعبر عنه، ثالثها، لا هيكل تنظيما وقانونيا بدون إدراجة في هيكل الدولة العام. هذه المبادئ ستساعد علي خلق اتزان نحو عقلانية انتاجية، هذا فضلا عن هذه المبادئ الثلاثة يجب ان يحميها وينظمها تفسير دستوري ملزم، بحيث يضع مصر ربما لاول مرة في في تاريخنا المعاصر في سياق الشفافية والمحاسبية متبادلة بين الاعتبارات الاقتصادية والاعتبارات السياسية، الدرجة الرابعة وهي العليا وقمة تطور التحول ونضوجة، تأتي من خلال خلق ميثاق من المبادئ الجوهرية الجديدة التي تقود العمل الديمقراطي بحيث تضمن مبدأين اساسيين ،اولهما، مبدأ عدم الاحتكار سواء للمفاهيم الدينية او الاخلاقية او للسلع والخدمات او الافكار والثقافة، وهذا تأكيدا علي اعلاء مفاهيم الجمهورية في الثقافة السياسية والانصاف بين المواطنين. ثانيهما، مبدأ العقلانية والاتزان في الاستهلاك والسلوك العام والحوار ، هذا تأكيدا علي مفاهيم ضرورة التقدم في ضوء قيم المواطنة والقيم الانسانية العالمية. في ضوء هذه الاربع درجات يمكن أن يتحول الفساد البنائي الي فساد سلوكي قابل للتصحيح من خلال القانون والثقافة. هذه المراحل لابد أن تأتي بدون مقاومة او صراع اجتماعي من جانب الطبقات الغنية او الطبقات الفقيرة، فالفساد البنائي يخضع الفقراء لوهم الفرص المحتملة والقريبة الحدوث، من ناحية، ويلبس الاغنياء الاحساس الواهم بامتلاك الارض ومن عليها، من ناحية اخري. فكلا الوهمين بعيد عن جدل الصراع الاجتماعي من اجل التقدم. والحزب الوطني يستعد لمؤتمرة السنوي القادم في الاسبوع الاول من نوفمبر هذا العام يكون من المفضل ان يرفع شعار: " العدالة الاجتماعية لا الفساد طريق للتقدم"، بهذا الشعار يضع الحزب نفسه في صفوف الفقراء وشرفاء الطبقة الوسطي والطبقة الغنية، بهذا الشعار يصك الحزب مفهوما جديد، مماثلا لنضاله ونجاحه في ادراج مفهوم " المواطنة " في وثائق الدولة، وهو "العقلانية" كمدخل لمحاربة الفساد بأشكاله المختلفة وسعيا لتضمينها وثائق الدولة ايضا. ان التركيز علي مفهوم "العقلانية" بمعانيه البسيطة سيشعر الجماهير انة رغم توالي الازمات والكوارث الا انه مازالت النخبة الاستراتيجية تصر علي امل التقدم الذي هو امل الجماهير العريضة: فالخدمات الحديثة هي مرادف للعقلانية، والتعليم الحديث هو مدخل ثان اكيد للعقلانية، والمركزية هو مدخل ثالث وايمان اصيل بعقلانية الكفاءة ، ودواليك. بدون التركيز علي مفهوم "العقلانية " ستضيع فرصة كبيرة لاسترجاع الامل في المستقبل.
| |
|